سورة النور - تفسير التفسير الوسيط

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (النور)


        


{لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلا عَلى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَواتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خالاتِكُمْ أَوْ ما مَلَكْتُمْ مَفاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعاً أَوْ أَشْتاتاً فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبارَكَةً طَيِّبَةً كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (61)} [النور: 24/ 61].
جمعت الآية بين مبدأ دفع الحرج عن أصحاب الأعذار، وبين إباحة المطاعم بين الأقارب والأصدقاء، وبين إفشاء التحية المباركة الطيبة، وتلك آداب كريمة عالية، في المباحات التي لا تتصل بالعقائد والعبادات.
وسبب النزول كما اختار ابن جرير الطبري: قال سعيد بن المسيب: أنزلت هذه الآية في أناس كانوا إذا خرجوا مع النبي صلّى اللّه عليه وسلّم وضعوا مفاتيح بيوتهم عند الأعمى والأعرج والمريض وعند أقاربهم، وكانوا يأمرونهم أن يأكلوا مما في بيوتهم إذا احتاجوا إلى ذلك، وكانوا يتقون أن يأكلوا منها ويقولون: نخشى ألا تكون أنفسهم بذلك طيبة، فأنزل الله تعالى هذه الآية: {لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ}.
وظاهر الآية وأمر الشريعة: أن الحرج مرفوع عن ذوي الأعذار (الأعمى والأعرج والمريض) ولا سيما في القيام بواجب الجهاد، والأكل من بيوت الأقارب والأصدقاء من غير استئذان.
والمعنى: ليس على الأعمى والأعرج والمريض إثم ولا ذنب في ترك الجهاد لضعفهم وعجزهم، وتعذر الاسهام بشيء من واجبات الجهاد في ساحات الوغى ومواجهة الأعداء، كما أنه لا إثم عليهم في الأكل من بيوت القرابات والأصدقاء، في حال غيبتهم عن دورهم، وائتمان أحد هؤلاء على المفاتيح ونحوها.
كذلك لا إثم على الناس في الأكل من بيوتهم الخاصة، ويشمل ذلك بيوت الأبناء، وإن لم يرد ذكر لها في الآية، لأن بيت ابن الرجل بيته، ومال الولد بمنزلة مال أبيه، ولا حرج أيضا على الأصحاء في أن يأكلوا مع أصحاب الأعذار، مواساة لهم، وتواضعا معهم، وإشعارا بأنهم سواء مع غيرهم دون وجود نظرة ترفع أو تأفف أو تخوف من المرض وغيره.
وأباح الله تعالى الأكل من بيوت أحد عشر موضعا: وهي بيوت الآباء، والأمهات، والإخوة، والأخوات، والأعمام والعمات، والأخوال والخالات، والذين استأمنوا ذوي العذر على المفاتيح، أي جعلوا مفاتيح بيوتهم في أيديهم وحفظهم، فيعد ذلك إذنا لهم في الأكل من غير ادخار ولا حمل، في حال عدم الأجر على العمل، وكذا بيوت الأصدقاء لارتفاع الكلفة بينهم، وتصافي الود والتعامل معهم.
وأباح الله سبحانه أيضا تناول الأكل مجتمعين على طعام واحد، أو فرادى متفرقين.
روى ابن ماجه عن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «كلوا جميعا، ولا تفرقوا، فإن البركة مع الجماعة».
ويستحب للداخل على بيته: السلام على أهل البيت الذين هم بمنزلة الداخل في الدين والقرابة، فتكون التحية بركة عليهم، لأنها تحية ثابتة بأمر الله تعالى، مشروعة من لدنه، مباركة، أي يرجى منها زيادة الخير والثواب، وطيبة، أي يطيب بها قلب المستمع وتهدأ نفسه، والتحية: دعاء بالسلامة والأمن، والخير، وزيادة الرزق للمسلّم عليه.
وكما بيّن الله تعالى بيانا شافيا شرائعه وأحكامه في الاستئذان عند الدخول وغير ذلك من الآداب الإسلامية، يبين ويفصل لكم أيها المؤمنون الآيات التي تحل الحلال، وتوضح المأذون فيه، لكي تتدبروها وتفهموها وتعقلوا حكمتها التشريعية.
الاستئذان عند الخروج أو الوداع:
أحاط الله تعالى نبيه محمدا صلّى اللّه عليه وسلّم بهالة من الهيبة والتشريف والتقدير، لأنه رسول الله، فأدّب المؤمنين في خطابه والتحدث معه، فلا يخاطب باسمه بأن يقال: يا محمد، وإنما يقال: يا رسول الله، ويغضّ الصوت أثناء مكالمته، فلا يجهر المتحدث فوق صوته، ولا يكون الكلام معه كالكلام المعتاد بين الناس، ويلزم المؤمن اتباع ما أمر به الرسول واجتناب ما نهى عنه. وإذا غادر الجالس مجلس النبي، فعليه الاستئذان منه قبل الخروج لرفع الظن السيئ به. وهذه آداب للجماعة الإسلامية، تطلب مراعاتها على وجه الإلزام، للأمر الإلهي بها، قال الله تعالى:


{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذا كانُوا مَعَهُ عَلى أَمْرٍ جامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (62) لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِواذاً فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (63) أَلا إِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قَدْ يَعْلَمُ ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ فَيُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (64)} [النور: 24/ 62- 64].
نزلت هذه الآيات أثناء حفر الخندق حول المدينة المنورة، بجهد النبي صلّى اللّه عليه وسلّم وتعاون أصحابه، فكان الرجل من المسلمين إذا نابته النائبة، من الحاجة التي لابد منها، يذكر ذلك لرسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم، ويستأذنه في اللحوق لحاجته، فيأذن له، وإذا قضى حاجته رجع، فأنزل الله في أولئك المؤمنين: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذا كانُوا مَعَهُ عَلى أَمْرٍ جامِعٍ}.
ونزول آية: {لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ} نزلت حينما كانوا يقولون: يا محمد، يا أبا القاسم، فأنزل الله: {لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً} فقالوا: يا نبي الله، يا رسول الله.
تضمنت الآيات الكريمة ثلاث آداب إلزامية اجتماعية وهي:
أولا- استئذان النبي عند الخروج: إنما المؤمنون كاملو الإيمان إذا كانوا مع رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم في أمر اجتماعي ذي مصلحة عامة، كصلاة جمعة أو جماعة أو عيد، أو مشاركة في قتال عدو، أو تشاور في أمر خطير، فعليهم استئذان النبي، حين انصرافهم من مجلسه كالاستئذان عند الدخول، فأولئك المستأذنون هم المصدقون حقا بالله ورسوله، فأدب الإسلام اللازم في ذلك ألا يذهب أحد لعذر إلا بإذنه.
فإذا استأذنوك لبعض شؤونهم أو مهامهم، فأذن لمن تشاء منهم، على وفق الحكمة والمصلحة، فقد استأذن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، في غزوة تبوك في الرجوع إلى أهله، فأذن له. ومع الإذن للمستأذن اطلب أيها الرسول من الله تعالى أن يغفر للمؤمنين ما قد يصدر عنهم، من زلات أو هفوات، إن الله واسع المغفرة لذنوب عباده المؤمنين التائبين، وواسع الرحمة بهم، فلا يعاقبهم بعد التوبة.
ثانيا- أدب الخطاب مع النبي: أيها المؤمنون لا تدعوا رسول الله في خطابه باسمه بأن تقولوا: يا محمد، يا ابن عبد الله، ولكن عظمّوه، وقولوا له: يا نبي الله، يا رسول الله، مع التوقير والتعظيم، والصوت المنخفض والتواضع، فإن الله تعالى يعلم يقينا- وقد في الآية: للتحقيق- أولئك الذين يتسللون من المسجد أو غيره، أي يخرجون خفية، واحدا بعد الآخر، دون استئذان من النبي، يتستر بعضهم ببعض أو بشيء آخر، لأن الله تعالى لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء. وسبب ذلك أنه إذا استأذن مسلم للخروج، قام المنافق إلى جنبه يستتر به، فأنزل الله الآية.
ثالثا- التحذير من المخالفة: ليحذر أو ليخش من خالف شريعة رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم باطنا وظاهرا، وليحذر كل إنسان مخالفة أمر الرسول وطاعته، فمن خالف أمر الله ورسوله، تعرض لعذاب الله ونقمته، وهذا عام لكل مخالف.
ثم ختم الله تعالى سورة النور وهذه الآيات المشتملة على الآداب الاجتماعية بأن الله تعالى مالك السموات والأرض، وعالم الغيب والشهادة، يعلم كل ما لدى العباد من سر وجهر، فكيف تخفى عليه أحوال المنافقين، وإن حاولوا سترها وكتمانها. وإن الله تعالى يخبر عباده يوم القيامة، بما أبطنوا من سوء الأعمال، وسيجازيهم جزاء أوفى بما قدموا وما أخروا، والله محيط علمه بكل شيء من الأشياء، ويوفره ويخبر به عباده يوم الحساب الأكبر وفصل القضاء الأعظم.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7